تخصيب اليورانيوم.. العقدة التي تعرقل طريق الاتفاق النووي

منشآة نووية في إيران- منصات التواصل

نشرت صحيفة شرق الإصلاحية، الجمعة 23 مايو/أيار 2025، تقريرا ذكرت فيه أن الجولة الخامسة من المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة في روما، التي كان من المفترض أن تفتتح فصلا جديدا من الحلول الدبلوماسية، تحولت إلى مرآة تعكس انعدام الثقة المزمن، وتناقض المواقف، والتآكل التدريجي للواقعية بين طرفي طاولة المفاوضات. 

وأضافت الصحيفة أن هذه المفاوضات جرت بتنسيق شاق، إذ لم تكن إيران مستعدة للجلوس إلى طاولة يُطرح فيها موضوع إلغاء التخصيب. لذلك، شاركت طهران بفريق محدود، من دون حضور الوفد النووي والفني كما في الجولة الرابعة، فيما حضرت واشنطن بفريق فني، لكنها كانت مثقلة بهاجس استراتيجي، وتحت وساطة عُمانية، على أمل أن تُفكّ عقدة ما.

وتابعت أن ما ظهر للعيان كان تكرارا لسيناريو مألوف، خطوط حمراء غير قابلة للتزحزح، وتهديدات صريحة، وآمال لا تستند إلى اتفاق بقدر ما تعتمد على صبر سياسي.

وأكَّدت أن الجولة الخامسة من المفاوضات غير المباشرة حول الملف النووي بين إيران والولايات المتحدة عُقدت يوم الجمعة 23 مايو/أيار 2025 في مقر إقامة سفير سلطنة عُمان في روما، وسط تصاعد التوترات، والخلافات العميقة، والتحذيرات المتبادلة، وبرعاية وساطة عُمانية. 

وأشارت الصحيفة إلى أن الفريق الأمريكي وصل إلى موقع التفاوض قبل الوفد الإيراني، حيث عقد لقاء مع وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي ، قبل أن يدخل الوفد الإيراني لبدء الجلسة الرئيسية. ورغم مرور أربع جولات سابقة، ظل الطرفان حتى يوم 23 مايو/أيار 2025 يواجهان تعقيدات جدية.

وأوضحت أنه بحسب بعض التقارير، التقى المفاوض الأمريكي ستيف ويتكوف وتحادث مع رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي ديفيد بارنيا، قبيل انطلاق الجولة الخامسة من المفاوضات النووية في روما. ووفقا لتقرير نشره موقع أكسيوس، فإن بارنيا ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، يعتزمان تنسيق مواقفهما مع ويتكوف، ويسعيان للاطلاع على تفاصيل المفاوضات فور انتهائها.

وبحسب مصادر إيرانية، فإن ويتكوف غادر موقع المفاوضات متوجها إلى المطار قبل انتهاء الجلسة، بسبب ارتباطه برحلة طيران مهمة، ما حال دون عقد أي لقاء بين الوفد الأمريكي والمسؤولين الإسرائيليين لتقديم إحاطة حول مجريات المفاوضات.

الخلاف الجوهري: التخصيب، نعم أم لا؟

أكدت الصحيفة أن العقدة الجوهرية في المفاوضات ما تزال، بلا شك، مسألة استمرار تخصيب اليورانيوم داخل إيران. فقد أعلنت طهران بوضوح أنها ستواصل التخصيب حتى في حال عدم التوصل إلى اتفاق، ورفضت بشكل قاطع أي تسوية تقوم على مبدأ التخصيب الصفري. 

من جهته، كتب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الجمعة 23 مايو/أيار 2025، قبيل مغادرته إلى إيطاليا للمشاركة في المحادثات، منشورا على منصة إكس أوضح فيه أن “الوصول إلى اتفاق ليس مسألة معقدة: صفر سلاح نووي = لدينا اتفاق. صفر تخصيب = لا اتفاق”.

ووجه عراقجي رسالة مباشرة إلى المسؤولين الأمريكيين لقد حان وقت اتخاذ القرار. ويبدو أن هذه الجولة من المفاوضات، التي جاءت بوساطة البوسعيدي، قد تسهم في رسم ملامح مستقبل هذه المحادثات إلى حدّ ما.

وذكرت الصحيفة أنه في المقابل، أن الولايات المتحدة تصرّ على وقف كامل لأنشطة التخصيب في إيران، وتواصل الضغط في هذا الاتجاه، وهو ما اعتبرته طهران موقفا غير واقعي وغير قابل للتفاوض. 

ووفقا لتصريحات معاون الشؤون السياسية في وزارة الخارجية مجيد تخت‌ روانجي، فإن المواقف الأمريكية تجاه مسألة التخصيب تتسم بالتناقض، مشيرا إلى أنه إذا كان مطلب واشنطن هو التخصيب الصفري، فإن المفاوضات محكوم عليها بالوصول إلى طريق مسدود.

اختلاف تركيبة الفرق ودور عُمان

وأوضحت الصحيفة أنه في حين، جاءت تركيبة الوفد الإيراني في هذه الجولة من المفاوضات محدودة؛ إذ أفاد مراسل “صدا و سیما” بأن الوفد الإيراني وصل إلى روما من دون مرافقة الفريق الفني الكامل. وعلى النقيض، دخل الوفد الأميركي موقع التفاوض برفقة فريقه الفني، وضمن ذلك مايكل آنتون، وهو ما اعتبره بعض المحللين مؤشرا على نهج واشنطن الأكثر جدية حيال الجوانب التقنية في هذه المفاوضات.

وأضافت الصحيفة أن لعُمان دورا وسيطا بارزا في هذه الجولة من المحادثات، حيث تبين أن بدر البوسعيدي، بمتابعته وإصراره الشخصي، ساهم في تمهيد الطريق لعقد هذه الجولة. ورغم أن مقر إقامة السفير الإيراني كان يبعد بضعة مئات من الأمتار فقط عن مكان التفاوض، إلا أن الفجوة بين مواقف الطرفين كانت أعمق بكثير.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليويت، في مؤتمر صحفي أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، متفائل بشأن المفاوضات النووية بين إيران وأمريكا، ويعتقد أنها تسير في الاتجاه الصحيح.

ردود الفعل والتهديدات

أوضحت الصحيفة أن السلطات الإيرانية انتقدت بشدة العقوبات الأمريكية الجديدة، خاصة توسعها لتشمل قطاع البناء، معتبرة هذه الخطوات دليلا على افتقاد واشنطن للمصداقية في مسار الدبلوماسية. كما أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي في رسالة له نحن عازمون على حماية حقوق ومصالح أمتنا العليا.

وحذر تخت‌ روانجي من استمرار التهديدات العسكرية والضغوط الخارجية، مشيرا إلى احتمال اتخاذ إيران إجراءات مضادة، منها تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وطرد المفتشين.

النظرة نحو المستقبل: هل سيكون هناك اتفاق في مسقط؟

أوردت الصحيفة أنه رغم أجواء التوتر والجدية التي سادت مفاوضات روما، إلا أن احتمال استمرار المحادثات في مسقط لا يزال مطروحا على الطاولة. ومع ذلك، يتوقف نجاح هذه المحادثات إلى حد كبير على مدى واقعية واشنطن واستعدادها للتخلي عن مواقفها المتشددة.

وأفادت بأن بعض المصادر الغربية أشارت إلى اقتراح محتمل يتمثل في إنتاج الوقود النووي من اليورانيوم المستورد بدلا من التخصيب الداخلي، وهو الاقتراح الذي تناولته صحيفة وول ستريت جورنال وأوضحت أن مسؤولون أمريكيون سابقون يقولون إن أحد الاقتراحات التي طُرحت في المفاوضات السابقة مع إيران قد تستحق إعادة النظر. 

وتابعت أنه بموجب هذا الاقتراح، تتوقف إيران عن تخصيب اليورانيوم، لكنها تحصل على إمكانية إنتاج الوقود النووي للمفاعلات غير العسكرية باستخدام اليورانيوم المخصب المستورد. وإذا كان هذا الاقتراح صحيحا، فمن المرجح ألا يتم اعتماده ضمن أولويات إيران في المفاوضات.

وذكرت أنه كما في الجولات الأربع السابقة، كان سوق التكهنات نشطا للغاية، حيث نشرت شبكة CNN منتصف النهار تقريرا نقلت فيه عن مصادر إيرانية أن إيران في هذه الجولة اقتصرت على تقييم مواقف أمريكا، وتعتبر أن الوصول إلى اتفاق أمر غير محتمل.

وأكَّدت أن في نهاية فترة التفاوض، أثار خروج ويتكوف بعض الجدل، رغم أن المتحدث بقائي أكد أن المفاوضات لا تزال مستمرة على مستوى الوفود الفنية. وحاليا، عراقجي في حوار مع البوسعيدي. وغادر ويتكوف، موقع التفاوض قبل قليل بسبب جدول رحلته الجوية. 

ومع ذلك، تستمر المباحثات بوساطة وزير خارجية عمان بين الوفدين. بشكل عام، يمكن القول إن هذه الجولة جرت في أجواء مهنية، هادئة وعقلانية. سنوافيكم بالتفاصيل الدقيقة بعد انتهاء المحادثات».

قال البوسعيدي إنه بعد انتهاء المفاوضات، في خلاصة لما جرى في روما أن الجولة الخامسة من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة اختتمت يوم السبت 24 مايو/أيار 2025 في روما بتحقيق بعض التقدم، لكن دون التوصل إلى نتيجة نهائية. ونأمل في الأيام المقبلة توضيح القضايا العالقة لنتمكن من التقدم نحو الهدف المشترك، وهو التوصل إلى اتفاق مستدام ومحترم». 

وفي الختام، أجرى عراقجي وبوسعيدي مباحثات ثنائية تناولت تقييم سير المفاوضات.

لا يزال الخلاف كبيرا جدا

أوضحت الصحيفة أن أجواء مفاوضات روما، رغم استمرار الطرفين على طاولة الحوار، أظهرت أن الفجوة بينهما في الميدان الحقيقي لا تزال قائمة وثابتة، لا سيما حول مفاهيم أساسية مثل حق التخصيب.

وأضافت أن الجولة الخامسة من المفاوضات لم تكن نهاية للمسار الصعب نحو الاتفاق، ولا نقطة حاسمة لفشل نهائي، بل كانت تجسيدا للصراع السياسي والتقني بين الإرادات، وخطوط الحمراء، واختبار الثقة في الطريق الوعر للدبلوماسية النووية بين إيران والولايات المتحدة. 

وتابعت أن مفاوضات روما شكّلت تمهيدا حساسا لجولة محتملة في مسقط، مشيرة إلى أن هناك- كما يقول الإيرانيون- فرصة جيدة للتوصل إلى اتفاق، شرط أن يحسم الأمريكيون موقفهم الداخلي أخيرا، إذ لا يزالون يترددون حول أهدافهم من هذه المفاوضات وتتغير مواقفهم يوميا. ولهذا، لم تشكّل الجولة الخامسة في روما نقطة تحول في حل الأزمة النووية، بل كانت تكرارا مُرا للشكوك والتناقضات.

ذكرت أن المشهد في المفاوضات بدا كوجود طرفين رئيسيين، كل منهما على طرف من المسرح، منشغلين بإلقاء مونولوجات من نوع التهديد والإنذار، دون أفق واضحة لتحقيق اتفاق رغم الخلافات القائمة.

 وأكدت إيران تمسكها القطعي بحقها في التخصيب، حاضرة بثبات وإرادة قوية للدفاع عن هذا الحق المشروع، بينما الولايات المتحدة استخدمت لغة تهديدية أعادت من خلالها التأكيد على أنها لم تنتهِ بعد من تحديد الحدود الفاصلة بين الضغط والمفاوضات.

وأشارت الصحيفة إلى أن مفاوضات روما لم تحقق اتفاقا جديدا، مشيرة إلى أن الحل الحقيقي يعتمد على بناء الثقة والتفاهم المتبادل، وليس فقط على قضايا فنية مثل أجهزة الطرد المركزي. واستمرار واشنطن في سياسة الضغط والعقوبات مع المفاوضات، إلى جانب غموض مواقف طهران، يعوقان حل الخلاف. 

ورجّحت أن مستقبل الحوار الدبلوماسي قد ينتقل إلى مسقط إذا تحولت المحادثات هناك إلى حوار جاد بعيدا عن التهديدات وتقلب المواقف الأمريكية.

عراقجي: في هذه الجولة أجرينا أكثر المفاوضات احترافية

قدم عباس عراقجي بعد انتهاء الجولة الخامسة من المفاوضات في روما شرحا أكد فيه أن هذه الجولة كانت من أكثر الجولات احترافية، حيث عرضت إيران مواقفها بوضوح وثبات، مشيرا إلى أن الجانب الأمريكي أصبح يمتلك فهما أوضح لتلك المواقف.

وأضاف عراقجي أن البوسعیدي بذل جهودا ملموسة خلال هذه الجولة لتقديم حلول عملية لتجاوز العقبات، وتم مناقشة هذه الأفكار واتفق على إجراء دراسات فنية إضافية من قبل الطرفين. وأوضح أن هذه الاقتراحات سترسل إلى العواصم للمراجعة دون أن تفرض أي التزامات على الأطراف.

وأشار إلى أن الطرفين سيقدمان وجهات نظرهما حول المقترحات، وبعد ذلك ستُخطط لجولة جديدة من المفاوضات، مع الأمل في أن تسمح الموافقة على هذه الحلول بالدخول في تفاصيل أعمق خلال الجولة المقبلة.

وختم بالقول إن المفاوضات معقدة جدا بحيث لا يمكن التوصل إلى اتفاق نهائي في جلستين أو ثلاث جلسات فقط، ولكن سير المحادثات حاليا في مسار معقول يُعتبر علامة على التقدم.

وأوضح أنه مع تزايد فهم الجانب الأمريكي لمواقف إيران، هناك أمل في التوصل إلى حلول خلال الجلسات المقبلة تمهّد لتقدم المفاوضات، مشيرا إلى أن الأجواء الحالية، خاصة مع اقتراحات سلطنة عمان لتذليل العقبات، عزّزت فرص إحراز تقدم ملموس رغم غياب اتفاق نهائي حتى الآن.

وأفاد البوسعيدي بعد انتهاء مفاوضات روما، بأن الجولة الخامسة شهدت تقدما بسيطا دون التوصل إلى نتيجة نهائية، مع أمل في توضيح القضايا المتبقية للتقدم نحو اتفاق مستدام ومحترم. وأعلنت وكالة تسنيم أن المفاوضات غير المباشرة ستستمر، وأن موعد الجولة القادمة لم يُحدد بعد، حيث سيتولى البوسعيدي تحديده، فيما أكدت إيران والولايات المتحدة استعدادهما لمواصلة المباحثات عبر الوساطة العمانية.

تجدر الإشارة إلى أن إسماعيل بقائي أجرى مكالمة هاتفية خلال الجولة الخامسة من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة في روما، أوضح فيها أن المفاوضات الفنية لا تزال مستمرة، مع انشغال عباس عراقجي بمحادثات مع البوسعيدي. وأشار إلى أن رئيس الوفد الأمريكي غادر مؤقتا بسبب جدول طيرانه، لكن المفاوضات تستمر بتيسير من البوسعيدي. وأكد بقائي أن المفاوضات جرت في أجواء مهنية وهادئة، مع إحراز تقدم.

كلمات مفتاحية: