- ربيع السعدني
- متميز
- 96 Views
في قلب الصراع الدولي المعقد، حيث تتلاقى الطموحات النووية الإيرانية مع المخاوف الغربية، برزت سلطنة عُمان كوسيط هادئ يحمل مقترحا يهدف إلى نزع فتيل أزمة تهدد استقرار المنطقة.
“مقترح عُمان” ليس مجرد مبادرة دبلوماسية، بل رهان على إعادة صياغة التوازن بين حق إيران السيادي في التخصيب ومطالب الغرب بـ “تخصيب صفري”، فهل ينجح هذا المقترح في تحقيق اختراق تاريخي، أم أن الخلافات العميقة ستدفع المنطقة نحو الهاوية؟
ما هو مقترح عمان؟
في هذا المجال أشار عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني أحمد بخشايش أردستاني إلى التكهنات حول مقترح وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي في الجولة الأخيرة من المفاوضات، وقال: “كان أحد محاور المقترح العماني هو وقف التخصيب من قبل إيران لمدة ستة أشهر، إن قبول مثل هذا الاقتراح يحمل في طياته مخاطرة أن تتوقع الأطراف المعارضة استمراره”.
وأكد أردستاني خلال حواره مع صحيفة “ديده بان إيران” وفقا لما نقله موقع “تابناك”، أن مثل هذا الخيار غير مرغوب فيه بالنسبة لإيران، لأنه بناء على التجارب السابقة، هناك احتمال لظهور مطالب مبالغ فيها من الجانب الآخر، وأضاف: “جانب آخر من هذا الاقتراح هو مناقشة تشكيل اتحاد بمشاركة الدول العربية، وتقول دول عربية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إنها تريد التخصيب”، موضحا: “ليس لدينا أي مشكلة في حصولهم على هذه التكنولوجيا”.
هل ستكون هناك حرب؟
وفي إشارة إلى بعض التحليلات حول احتمال اندلاع حرب في حال عدم توصل إيران والولايات المتحدة إلى اتفاق، قال عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان: “لا أعتقد أن هناك حربا، وربما، في حال لم تتوصل إيران والولايات المتحدة إلى اتفاق، فإن هذه القضية سيكون لها تأثير سلبي على الأسعار في أسواق الدولار والذهب”.

ويذكرنا بخشايش أردستاني: “لقد وصلنا الآن إلى نقطة أصبح لدينا فيها ما يكفي من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% لصنع عدة قنابل ذرية، إن الـ300 كيلوغرام من اليورانيوم المخزن لدى إيران يعادل 10 قنابل ذرية، وإذا استمرت إسرائيل في التهديد، فإننا نستطيع زيادة مستوى التخصيب إلى مستوى أعلى”.
جذور الأزمة.. التخصيب كرمز للسيادة والخطر
بدأ البرنامج النووي الإيراني في خمسينيات القرن الماضي بدعم أمريكي، لكنه تحول بعد ثورة 1979 إلى نقطة توتر عالمية، إيران ترى التخصيب حقا سياديا وجزءا من صناعتها النووية، بينما ينظر الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، إليه كخطر محتمل لتطوير أسلحة نووية.
بحلول فبراير/شباط 2025، أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن إيران تمتلك 274.8 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهي نسبة تقترب من العتبة العسكرية (90%)، هذا التقدم أثار قلق الغرب، خاصة مع تصريحات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بأن بلاده “لن تتخلى عن برنامجها النووي السلمي مهما فعلت واشنطن”.
سلطنة عُمان، المعروفة بدورها الوسيط في النزاعات الإقليمية، قدمت مقترحا خلال الجولة الخامسة من المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في روما، 23 مايو/ أيار 2025 ونفى مسؤول إيراني بارز أن يتضمن المقترح وقفا مؤقتا لتخصيب اليورانيوم لمدة ستة أشهر، مؤكدا أن “التخصيب لن يتوقف تحت أي ظرف” وأن المقترح يعترف بحق إيران في التخصيب.
بدلا من ذلك، ركز المقترح على إنشاء “مركز إقليمي للتخصيب” تحت إشراف دولي، مع قيود تقنية مؤقتة مقابل رفع العقوبات، وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أشار للصحفيين مساء الأحد 26 مايو/أيار 2025، إلى أن هذه الحلول “قيد الدراسة”، لكنه أكد أن طهران لم تتلق مقترحا مكتوبا من واشنطن.
موقف إيران: التخصيب خط أحمر

إيران تتمسك بحقها في التخصيب كجزء من صناعتها النووية، معتبرة أنه رمز للسيادة الوطنية، المتحدث باسم وزارة الخارجية إسماعيل بقائي أكد أن “قضية التخصيب يجب أن تبقى قائمة”، رافضا أي تساهل في هذا الشأن، في الوقت نفسه، أبدت طهران استعدادا لفرض قيود مؤقتة على برنامجها النووي والسماح بتفتيش دولي مكثف مقابل رفع العقوبات الاقتصادية.
وفي وقت سابق لمحت تصريحات علي شمخاني، مستشار خامنئي، إلى استعداد إيران للتخلص من مخزون اليورانيوم عالي التخصيب إذا تم رفع العقوبات فورا، لكنها رفضت فكرة “التخصيب الصفري” التي تطالب بها واشنطن.
موقف ترامب: التخصيب الصفري أو لا اتفاق
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يسعى لحل الملف النووي قبل نهاية ولايته، أكد أن المفاوضات مع إيران “تسير بشكل جيد للغاية”، مشيرا إلى إمكانية الإعلان عن “أخبار إيجابية”، لكن مبعوثه ستيف ويتكوف شدد على أن “التخصيب الصفري” هو الخط الأحمر الأمريكي، وأن أي اتفاق يجب أن يمنع إيران من الاحتفاظ بأي قدرة تخصيب داخل أراضيها وهذا الموقف يتناقض مع انفتاح إيران على قيود مؤقتة وليس توقفا كاملا، مما يوسع الفجوة بين الطرفين.
ردود الفعل الإقليمية والدولية
إسرائيل، التي ترى في البرنامج النووي الإيراني تهديدا وجوديا، عارضت أي تساهل مع إيران، معتبرة أن السماح بالتخصيب، حتى تحت إشراف دولي، يشكل خطرا، الوكالة الدولية للطاقة الذرية حذرت من أن مستويات التخصيب الحالية لدى إيران (60%) تقترب من العتبة العسكرية، مما يزيد الضغط على المفاوضات.
فيما قال عضو سابق في مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي، إن تخصيب اليورانيوم لا يزال يشكل العقبة الأكبر في المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، وكان أحد أحدث تصريحات ستيف ويتكوف المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون الشرق الأوسط بشأن هذه القضية شديد اللهجة، ومن غير المرجح أن يتراجع الجانب الأمريكي عن موقفه، وأعتقد أن ما اقترحه العمانيون لم يتضمن الإلغاء الكامل لتخصيب اليورانيوم من قبل إيران.
ولا يزال التهديد العسكري الإيراني حاضرا على أجندة محور واشنطن وتل أبيب هذه الأيام، فيما يرى خبراء أن ترامب يحاول استخدام هذا التكتيك كأداة للضغط على إيران أثناء المفاوضات، بدلا من امتلاكه الإرادة لمهاجمة إيران.

وأكد عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني أحمد بخشايش أردستاني، أنه لا يعتقد أن الولايات المتحدة أو إسرائيل ستهاجم إيران، وقال: “السبب في ذلك هو أننا قمنا بتدجين التكنولوجيا النووية والتخصيب يتم بفكر إيراني وليس مستوردا يمكن إزالته وتدميره بهجوم، مضيفا: “أعتقد أنه لو لم تكن هناك فتوى من المرشد الإيراني بشأن تحريم الأسلحة النووية، لكانت طهران قادرة على صنع قنبلة ذرية، وكانت تمتلك القدرات اللازمة في هذا المجال”.
وأكد أنه على الرغم من هذه الفتوى فإن إيران لا تريد بناء قنبلة ذرية وتعتزم فقط استخدام الطاقة النووية سلميا في مجالات مثل الطب والنظائر والزراعة وعلم الوراثة، وقال: “لتحقيق هذا الهدف يجب أن يستمر التخصيب”.
التفتيش مقابل العقوبات
في المقابل، أبدت إيران استعدادا لتوسيع التفتيش الدولي، لكنها اشترطت رفع العقوبات كجزء من أي اتفاق.
في خضم المفاوضات الشائكة حول الملف النووي الإيراني، أطلق نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية، مجيد تخت روانجي، تحذيرا صريحا من المواقف الأمريكية المتذبذبة، التي قال إنها تهدد بتقويض فرص النجاح.
في مقابلة مع مجلة “دير شبيغل” الألمانية، أكد روانجي أن تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية يمثل “ركيزة مركزية” لإيران، وهو أمر غير قابل للتفاوض، مشددا على أن إصرار الولايات المتحدة على “التخصيب الصفري” سيؤدي حتما إلى فشل المحادثات.
وأوضح روانجي أن نهج واشنطن في إدارة المفاوضات، وضمن ذلك تسرب المعلومات إلى وسائل الإعلام، قد أضر بالثقة اللازمة لتحقيق تقدم، وقال بنبرة حاسمة: “يجب أن تظل المحادثات داخل قاعة المفاوضات، بعيدا عن عدسات الإعلام. إذا أرادت أمريكا حرماننا من حقوقنا السيادية، فلن نقبل بذلك أبدا”.
وفي معرض حديثه عن إمكانية التوصل إلى اتفاق، حدد روانجي شرطا واضحا لإيران: “إذا تجنبت الولايات المتحدة طرح قضايا غير ذات صلة وأوقفت تكتيكات الترهيب، فهناك فرصة حقيقية للوصول إلى تفاهم”، وأكد التزام إيران بالحوار القائم على الاحترام المتبادل، محذرا من أن أي محاولة للضغط أو التهديد ستقابل بالرفض القاطع، مضيفا: “التعاون يتطلب احتراما متبادلا، والتنمر مرفوض بالنسبة لنا”.
التحديات والتوقعات
▪︎ الثوابت الإيرانية: رفض طهران لوقف التخصيب أو نقل مخزونها خارج البلاد يعقد المفاوضات.
▪︎ الضغط الأمريكي: إصرار واشنطن على التخصيب الصفري، مدعوما من إسرائيل، يقلل من فرص التسوية.
▪︎ التوترات الإقليمية: الصراعات في غزة ولبنان تضيف تعقيدا، حيث تربط إيران رفع العقوبات بالاستقرار الإقليمي.
▪︎ الغموض حول المقترح: عدم تحديد موعد أو مكان للجولة القادمة من المفاوضات يعكس الحذر من الطرفين.

ومع ذلك، يرى بعض المحللين أن استعداد إيران للتخلص من مخزون اليورانيوم عالي التخصيب مقابل رفع العقوبات قد يكون خطوة نحو اتفاق مؤقت.
ترامب، بدوره، يسعى لتحقيق إنجاز دبلوماسي قبل انتهاء ولايته، لكنه يواجه ضغوطا داخلية وإقليمية تعيق مرونته.
رهان الدبلوماسية أم التصعيد؟
“مقترح عُمان” يقف على مفترق طرق: إما أن يمهد لاتفاق نووي يعيد التوازن إلى المنطقة، وإما أن يصبح شرارة تصعيد إقليمي إذا فشلت المفاوضات. إيران تصر على حقها في التخصيب كرمز لسيادتها، بينما تتمسك الولايات المتحدة بمبدأ “التخصيب الصفري” كضمانة أمنية.
وسط هذا التوتر، تقف عُمان كوسيط يحمل آمال السلام، لكن النجاح يتطلب تنازلات متبادلة، فهل تنتصر الدبلوماسية، أم أن المنطقة على موعد مع انفجار جديد؟ الزمن وحده كفيل بالإجابة.