- شروق حسن
- 17 Views
سلّطت صحيفة فرهيختکان الأصولية الإيرانية، في تقرير لها يوم الثلاثاء 10 يونيو/حزيران 2025، الضوء على سلسلة من التصريحات والمواقف المثيرة للجدل لوزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف، معتبرةً أن أداءه اتسم بعدم الاتزان وتكرار التراجع عن مواقف سبق أن دافع عنها بشدة.
وذكرت أن محمد جواد ظريف، الذي له سجل حافل بالتصريحات والإجراءات غير المدروسة، وتراجع مرارا عن مواقفه رغم تجاهله المتكرر للانتقادات الموجهة إلى نهجه في السياسة الخارجية، أقرّ في أحدث اعتراف له، وذلك خلال كلمته في أول مؤتمر دولي لدراسات أوروبا وأمريكا، قائلا: «كنا مخطئين حين توقعنا من أوروبا أن تُطلق آلية إنستكس؛ لأن مجال تنافسها ليس مُعرّفًا هناك».
وأضافت أن ظريف تابع تصريحاته قائلا: «كان الأوروبيون يقولون خلال المفاوضات إنهم التزموا بالاتفاق النووي، فقلت لهم: لو كنتم قد التزمتم فعلا، لما كانت شركاتكم قد غادرت من هنا».
وتابعت أن ظريف يعترف بذلك في حين أن أوروبا، إضافة إلى عدم التزامها بالاتفاق النووي، لم تفعّل أيضا آلية إنستكس التي تم وضعها بهدف تعويض انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق.
يأتي هذا رغم أن ظريف، قبل أيام قليلة من تصويت البرلمان على الاتفاق النووي، وخلال جلسة لمناقشة الاتفاق في المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، كان قد أجاب عن سؤال فؤاد إيّزدي، الذي سأله: ما هو الإلزام القانوني للطرف المقابل بتنفيذ تعهداته بعد أن أوفت إيران بالتزاماتها في الاتفاق؟
وذكرت أن ظريف ردّ بالقول: «الولايات المتحدة لا خيار أمامها سوى الالتزام بالاتفاق النووي».
وأشارت إلى أن ظريف أكد في إجابته على إيّزدي قائلا: «في حال عدم التزام أمريكا، فإنها ستفقد مصداقيتها في العالم، وإذا أعادت فرض العقوبات، فلن ينفذها أحد».
وتابعت أن ما حدث في النهاية هو أن الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاق النووي، والدول الأوروبية، التي التزمت بالعقوبات ذاتها، لم تلجأ إلى استخدام آلية إنستكس التي كانت قد أنشئت لتجاوز العقوبات الأحادية الأمريكية.
وأفادت الصحيفة بأن الشركات الأوروبية، كما أشار ظريف، غادرت إيران لهذا السبب تحديدا، فالاتحاد الأوروبي الذي لم ينفذ أيًّا من تعهداته، يهدد اليوم بتفعيل آلية الزناد ضد إيران.
وأوضحت أن الطرف الأوروبي يستند إلى آليات مختلة مثل إنستكس ليقول إن أوروبا، رغم انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، ظلت ملتزمة بالاتفاق عبر هذه الآليات؛ في حين أن هذه الآليات لم تُفضِ إلى نتيجة، وانسحبت الشركات الأوروبية، واحدة تلو الأخرى، تحت ضغط أمريكي، من مسار التعاون الذي بدأته مع إيران بعد الاتفاق، لتصطف إلى جانب الولايات المتحدة، حتى يأتي اليوم الذي يعترف فيه ظريف بخطئه في القبول بهذه الآلية.
وأضافت أن هذه ليست المرة الأولى التي يسلك فيها ظريف طريقا مسدودا حتى نهايته، ثم يتراجع عن موقفه في النهاية.
وشددت على أنه لا يمكن لأي مسؤول أو صاحب منصب أن يدّعي أنه لم يرتكب خطأ طوال فترة مسؤوليته، غير أن موضع الانتقاد هو أن الشخص المعني، رغم كثرة الانتقادات الموجهة إلى نهجه، يصرّ على الاستمرار في مسار خاطئ، ويعتمد على تشجيع قاعدته الجماهيرية، مما يُلحق ببلده تكاليف باهظة، ثم يعترف في نهاية المطاف بأخطاء كان قد نُبّه إليها منذ وقت طويل، لكنه لم يُعرها انتباها.
حرق الميدان
وتابعت الصحيفة أن من أكثر التصريحات إثارة للجدل التي أدلى بها محمد جواد ظريف، كانت في حوار له مع سعيد ليلاز في عام 2021، وقد تناولت العلاقة بين “الميدان” (أي العمليات العسكرية والإقليمية) و”الدبلوماسية” (السياسة الخارجية الرسمية).
فقد صرّح ظريف في ذلك اللقاء بأن “الميدان” لم يقم قطّ بأي خطوة من شأنها تقليل العقوبات أو دعم الجهاز الدبلوماسي.
وأضافت أن ظريف، مستشهدا بمثال حول زيادة رحلات شركة “إيران إير” إلى سوريا بناء على إصرار قاسم سليماني، زعم أن الدبلوماسية كانت دائما في خدمة الميدان، وأن الميدان كان المتحكّم في السياسة الخارجية، والدعاية، بل وحتى التصريحات الإعلامية.

وأشارت إلى أن هذه التصريحات طُرحت بأسلوبٍ يُظهر الميدان وكأنه في تضاد مع الدبلوماسية، ويُضعف من دور القوات العسكرية والإقليمية الإيرانية في السياسة الخارجية.
وتابعت أن هذه الأقوال قوبلت بردود فعل سلبية واسعة في الأوساط السياسية والإعلامية الإيرانية؛ حيث وصف بعض المسؤولين، ومن بينهم قائد الثورة، هذه التصريحات بأنها تكرارٌ لأقوال أعداء إيران، واعتبروها عاملا في إضعاف التنسيق بين مؤسسات البلاد المختلفة.
وذكرت أن ظريف، بعد هذه الموجة من الانتقادات، تراجع تماما عن موقفه؛ حيث صرّح في حوار على تطبيق كلابهاوس في مايو/آيار 2023 بالقول: «كلما كان هناك تنسيق بين الميدان والدبلوماسية، تحققت إنجازات جيدة».
وتابعت أن هذا التغير في الموقف يدل على عدم نضج تصريحات ظريف الأولى، وخطأ الطرح الثنائي الذي قدّمه بين “الميدان” و”الدبلوماسية”.
الاتفاق النووي
وتابعت أن أحد أبرز الانتقادات الجدية الموجهة لأداء محمد جواد ظريف خلال مفاوضات الاتفاق النووي، يتعلق باستخدام مصطلح «التعليق» (Suspend) في نص الاتفاق، ففي الوقت الذي قبلت فيه إيران التزامات غير قابلة للرجوع عنها، مثل تقليص مخزونها من اليورانيوم المخصب وتقييد أنشطتها النووية، كان الطرف المقابل (خاصةً أوروبا) ملتزما في العديد من الحالات بـ«تعليق» العقوبات فقط.

وأضافت أن هذا التعليق يعني أن العقوبات يمكن أن تعود بسرعة وسهولة، وهو ما كان يشكل خطرا كبيرا على إيران.
وأوضحت أنه خلال مناقشة الاتفاق النووي في البرلمان الإيراني، وردًّا على انتقادات النواب بشأن استخدام مصطلح «التعليق»، قال ظريف: «لم يرد في أي موضع من الاتفاق النووي مصطلح التعليق، وكل من ترجم الكلمة إلى “تعليق” فقد أخطأ في الترجمة».
وتابعت أن هذا الادعاء جاء رغم أن النص الإنجليزي للاتفاق النووي استخدم بوضوح كلمة «Suspend» أربع مرات.
وكان هذا الإنكار الصريح من ظريف، الذي كان حينها وزير الخارجية، يدل إما على عدم دقة في المتابعة أو محاولة لتبرير نقطة ضعف في المفاوضات.
وذكرت أن ظريف اعترف بهذا الخطأ للمرة الأولى بعد ست سنوات، في سبتمبر/أيلول 2021، خلال حوار له على تطبيق كلابهاوس، حيث قال إن تعليمات قد أُعطيت لفريق التفاوض بعدم استخدام كلمات مثل «التعليق» و«الحظر»، لكن في اللحظات الأخيرة من المفاوضات، أوضح ممثل الاتحاد الأوروبي أن بعض قرارات الاتحاد لا يمكن إلغاؤها بالكامل، بل يجب تعليقها مؤقتا.
وأشارت إلى أن ظريف ادّعى أن فريق التفاوض الإيراني، من دون التنسيق معه، قبِل بذلك التبرير، ودخلت كلمة «تعليق» في نص الاتفاق النووي، ووصفت الصحيفة هذا التبرير بأنه «عذر أقبح من ذنب»، لما ينطوي عليه من مشكلات جوهرية.
وأضافت أن المشكلة الأولى تتعلق بغياب الرقابة الدقيقة من ظريف على فريق التفاوض خلال المراحل الحساسة من المباحثات، الأمر الذي أدى إلى قبول مصطلح له تبعات قانونية وسياسية خطيرة.
وتابعت أن المشكلة الثانية تكمن في عجز الفريق التفاوضي الإيراني عن الصمود في وجه الضغوط الأوروبية في اللحظات الأخيرة من التفاوض، ما يُظهر ضعفا في إدارة العملية التفاوضية.
وأوضحت أن المشكلة الثالثة، حتى وإن كانت كلمة «تعليق» تخص العقوبات الأوروبية فقط ولا علاقة لها بأمريكا – كما زعم ظريف – فإن هذه البنود لم تُنفّذ أبدا، ولم تُثمر عمليًّا عن أي مكسب لإيران، بل وحتى إذا كانت أوروبا قد علّقت عقوبة ما وفقا لتلك البنود، فإنها كانت قادرة، استنادا إلى النص نفسه، على الامتناع عن تمديد هذا التعليق لاحقا.
القدرة العسكرية الإيرانية
وأردفت أن من التصريحات المثيرة للجدل الأخرى التي أدلى بها محمد جواد ظريف، ما ورد في جلسة بكلية الهندسة بجامعة طهران في ديسمبر/كانون الأول 2013، حيث ردًّا على أسئلة نقدية لأحد الطلاب، قال: «الغرب لا يخافون من دباباتنا وصواريخنا، إنهم يخافون من هذا الشعب، هل تعتقدون أن أمريكا، التي يمكنها بقنبلة واحدة تعطيل كل منظومتنا العسكرية، تخشى من قدراتنا العسكرية؟».
وأضافت أن هذه التصريحات جاءت بأسلوب يُقلّل من شأن القدرة الدفاعية والعسكرية الإيرانية أمام القوى الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة.
وتابعت أن هذه الأقوال أثارت ردود فعل واسعة داخل البلاد، واعتبرها البعض إضعافا للروح الوطنية وإهانة للقدرات الدفاعية لإيران.
وأشارت إلى أن المرشد الأعل بإيران علّق على هذه التصريحات بدعوته إلى تنظيم جولات علمية ودفاعية لبعض المسؤولين، لكي يتعرفوا عن كثب على القدرات العسكرية للبلاد.
وذكرت أن ظريف عاد لاحقا وتراجع عن تصريحاته في لقاء مع نشطاء في الفضاء الافتراضي، حيث قال: «لم أقل أبدا إن أمريكا تستطيع تدمير المنظومة الدفاعية للبلاد خلال خمس دقائق».
وتابعت أن هذا التراجع أظهر مدى عدم الدقة في التصريحات الأولية، وعدم مراعاة أثر مثل هذه الأقوال على الرأي العام والخصوم الخارجيين، كما أن تصريحات ظريف بشأن القدرات الدفاعية لإيران لم تثر جدلا داخليًا فحسب، بل كان من الممكن أن تُعدّ مؤشرا على ضعف إيران في المفاوضات الدولية، في حين أن القدرة العسكرية والردعية لطهران تُعدّ من أبرز أدواتها في السياسة الخارجية.
وبالتالي، فإن مثل هذه التصريحات كان يمكن أن تبعث برسائل خاطئة إلى الأطراف المقابلة وتضعف موقف إيران في أي عملية تفاوض.
شخصية بطولية
وكتبت الصحيفة الإيرانية “فرهختيكان” أنه رغم الانتقادات العديدة الموجّهة لأداء وتصريحات ظريف، حاولت بعض التيارات الإعلامية والسياسية تصويره بشكل مبالغ فيه على أنه شخصية بطولية وموظف كفؤ.
وأضافت أن هذه التيارات وصفت ظريف أحيانا بأنه «أمير كبير العصر»، بل ذهبت إلى حد استغلال إقالة إيلون ماسك من منصبه في الحكومة الأمريكية لتضع صورا لظريف وماسك جنبا إلى جنب، بزعم أن كليهما أثّر في فوز مرشحهم المفضل في الانتخابات ثم جرى استبعادهم من الحكومة.
وتابعت أن هذا النوع من المقارنات بين ظريف وشخصٍ طُرحت مؤخرا ادعاءات عن إدمانه، وفشلت أفكاره التنفيذية داخل الحكومة الأمريكية – كسياسات تقليص الدولة أو طرد الموظفين – التي لم تحقق نتيجة بل أثارت احتجاجات اجتماعية، هو في الحقيقة تقليل من شأن ظريف وليس رفعا لمكانته.
وأوضحت أنه “حتى لو أخذنا الجوانب الإيجابية لأداء إيلون ماسك في مجال ريادة الأعمال، وتغاضينا عن كل الامتيازات الحكومية التي ساعدته على تضخيم ثروته، واعتبرناه رائد أعمال صاحب أفكار قوية ومترابطة، فإن ظريف لا يملك مثل هذه المؤهلات، فهو شخص طرح ونفذ أفكارا فاشلة مرارا، وفي النهاية لم يتحمل مسؤولية مواقفه، ومن ثم لا يمكن اعتباره شخصا ناجحا أو جديرا بالثناء”.
وذكرت أن ظريف، حتى خلال فترة توليه مسؤولية في المعاونية الاستراتيجية لحكومة مسعود بزشکیان، لم يُسجّل له أي إنجاز يُذكر، وربما عدم مقاومة الحكومة في وجه خروجه من منصبه يُعزى إلى هذا الضعف في الأداء، ويمكن فهمه تلويحا بإيجابية مغادرته.
وختمت الصحيفة بالقول إن شخصا كهذا، بدلا من أداء مهامه التنفيذية، كان يشارك في مؤتمرات دولية مثل مؤتمر ميونيخ، ليُدلي بتصريحات حول السياسة الخارجية في مسار موازٍ لوزارة الخارجية، وفي منتديات أمنية تتطلب إبراز القوة والانسجام الداخلي، حوّل الخلافات السياسية والانتخابية الداخلية إلى حالة من الاستقطاب الثنائي، وأرسل – عن قصد أو من دون قصد – إشارات إلى الحكومات الغربية السيئة السجل بأن الأجواء في إيران مهيأة لإثارة التوتر والاضطراب.