- شروق حسن
- 48 Views

في حوار صريح مع الصحيفة الإيرانية الإصلاحية «آرمان ملي»، السبت 24 مايو/أيار 2025، تناول الناشط السياسي الإصلاحي غلام رضا أنصاري أداء حكومة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، بعد سبعة أشهر من توليه الرئاسة. ورأى أنصاري أن الحكومة لم تتمكّن من ترجمة شعارات الإصلاح والتغيير إلى واقع ملموس.
نص الحوار:
تولى مسعود بزشكيان رئاسة الجمهورية منذ نحو سبعة أشهر، إلى أيّ مدى تمكّن خلال هذه الفترة من المضيّ قُدُما نحو تحقيق شعاراته؟
لكي تكون الحركة التنفيذية فاعلة، هناك حاجة إلى برنامج، ولا يمكن لأي برنامج أن يدخل حيّز التنفيذ إلّا إذا كان القائمون على الأمور والمسؤولون عن تنفيذه يؤمنون حقا ويُظهرون التزاما فعليا ببنود ذلك البرنامج.
تولّى مسعود بزشكيان رئاسة الجمهورية في إيران في ظرف طارئ، ففي ذلك الوقت، كان الرئيس الإيراني السابق قد وافته المنية إثر حادثة سقوط مروحية، وفي فترة قصيرة بعد رحيل المرحوم رئيسي، حظي بزشكيان بثقة الشعب، نظرا لما كان لدى الناس من قلق حيال منافسيه.
لقد طرح بزشكيان خلال حملته الانتخابية مسألة التغيير والإصلاح، وأشار إلى التحدّيات التي خلقها أصحاب النزعة الاحتكارية في إدارة شؤون البلاد، ما بعث الأمل بتحسين إدارة الدولة. تولّى الرئاسة في وقتٍ كان قد تمّ فيه، تحت عنوان “توحيد السلطة”، تسليم زمام الأمور إلى أشخاص عاجزين، قليلي الخبرة، وعديمي التخصّص تحت شعار الثورية.

وكان هؤلاء من قلّة الخبرة بحيث أنّ جزءا من حالات الاختلال الحاصلة اليوم في البلاد تعود إلى افتقارهم للتجربة، لقد عقد الجميع الأمل على أن يتمكّن السيد بزشكيان، في المجالات التي يملك فيها صلاحية، من إحداث تغيير نسبي، غير أننا لم نشهد، بعد تشكيله للحكومة، ذلك المستوى من التغيير الضروري لخروج البلاد من أزماتها.
هل تعني برأيك أن ما أعلنه بزشكيان، أي سياسة التوافق من أجل تقدم البلاد والاستفادة من جميع الطاقات الإدارية، لم يحقق أي نتائج لحكومته؟
للأسف، في إطار شعار التوافق، أصبحت غالبية المناصب المهمة والمؤثرة في مسار تقدّم البلاد وتنفيذ شعارات الحكومة بيد خصوم بزشكيان.
اليوم، هناك نسبة كبيرة من الذين يتولّون إدارة الدولة في حكومة بزشكيان لا يؤمنون بالتغيير والتحوّل والتنمية ولا يلتزمون بمتطلباتها.
حتى تتضح هذه الفكرة، هلا أعطيتَ مثالا عينيا لوزير أو محافظ يتبنّى رؤية في إدارة شؤون البلاد لا تنسجم مع شعارات التغيير التي رفعها مسعود بزشكيان؟
انظروا، هناك عدد من الأشخاص في الحكومة لا يرون أنفسهم ملزمين بإحداث تحول في إدارة الدولة، في جميع أنحاء العالم، تُعتَبَر مسألة التعليم هي البنية التحتية لأي تحوّل، وقد تكون مكانة التعليم والتربية أعلى شأنا من أي قضية أخرى.
في الدول المتقدّمة، المكانة التي تُمنَح للمعلم تفوق مكانة العديد من المسؤولين التنفيذيين، لكننا نرى في حكومة بزشكيان وزيرا للتربية والتعليم يقدّم نفسه على أنه جندي في صفوف القوات الأمنية، في حين أن فخر أي ضابط في العالم هو أنه كان له معلم جيد ربّاه وعلّمه.
هنا تتّضح الفروقات في الرؤى، كيف يمكن لمثل هذا التوجّه أن يقود وزارة نحو التغيير، سوى أن يكتفي بإدارتها بشكل يوميّ روتينيّ؟
من المحتمل أنك تحمل الرأي ذاته بشأن وزير الطاقة أيضا؟
نعم، انظروا مَن الأشخاص الذين تولّوا المسؤولية في هذه الوزارة؟ ينبغي على وزارة الطاقة أن تقدّم خططا وبرامج لتسوية الاختلالات كي نبلغ نتائجها في العام المقبل، لكن مسؤولي هذه الوزارة يلجؤون إلى كبار الشخصيات الدينية في البلاد ليجدوا حلولا للنواقص، هذا النوع من الخطاب يعني أن الحكومة تفتقر إلى برنامج خاص بها، كما أنها أسندت المسؤوليات المهمة إلى أشخاص لا يؤمنون بحلّ مشكلات البلاد من خلال الأساليب العلمية.
تمّ تعيين أشخاص في هذه الحكومة لا يمتلكون الكفاءة المطلوبة للمناصب التي أُوكلت إليهم، وثانيا، إن هؤلاء لا يملكون ما يكفي من السلطة والصلاحية لأداء مهامهم، في مثل هذه الظروف، ما الذي يمكن توقّعه من الحكومة؟ اليوم، يُستنزَف جزء كبير من طاقة إنتاج البلاد بسبب برامج كسر الحجب.
في حين يمكن للرئيس أن يوفّر أرضية تمنع تجار الحجب من الاستفادة، وتُمنَع الطاقة من أن تُهدَر على برامج كسر الحجب. هناك نسبة كبيرة من حجم الإنترنت تُستهلك بسبب استخدام هذه البرامج، ومن مهام الحكومة أن ترفع الحجب، لكنها لم تتخذ سوى خطوات محدودة في هذا الشأن.
تطبيق واتساب قد تم رفع الحجب عنه، ولكن طالما لم يُرفَع الحجب عن تلغرام وإنستغرام، ستبقى أوضاع الإنترنت في البلاد على ما هي عليه، الناس يتوقّعون من الحكومة تحركا فعليا في هذا المجال، وإذا خُطيت خطوة إيجابية، فإن الشعب يملك من الوفاء ما يجعله يُقدّر هذا العمل.
كيف تقيّم العلاقة بين الحكومة والبرلمان؟ لقد سعت الحكومة إلى التعاون مع البرلمان، لكن وزيرها الأهم، أي وزير الاقتصاد، تعرّض للاستجواب من قِبل نواب الحكومة أنفسهم!
كان بزشكيان، منذ البداية، حريصا على أن ينال رضا نواب البرلمان ضمن مسار التعاون بين الحكومة والبرلمان من أجل دفع عجلة الأمور، وقد كان أكثر تعاونا مع البرلمان مقارنة بالحكومات السابقة.
لكن وزير الاقتصاد أُقصي من قِبل هذا البرلمان نفسه، لقد تصرّفت الحكومة بطريقة تُظهر سعيها لإرضاء النواب، ونتيجة لذلك، وصلت معظم الأجهزة التنفيذية إلى طريق مسدود بسبب فرض رؤى النواب عليها.
من الطبيعي أن يصبح العمل في مثل هذه الظروف شديد الصعوبة، إن أراد بزشكيان أن يترك ذكرى طيبة له ولمن بعده، فعليه أن يحقق وعوده الجادّة.
حينما يكون هناك المئات من المجالس العليا التي تهيمن عليها في الغالب قوى قلقة، لا يمكن توقّع حدوث تحول في أوضاع البلاد.
كيف تقيّم التعيينات في المحافظات؟ هل طرأ تغيير في أساليب إدارة البلاد مقارنة بالماضي بعد تعيين المحافظين؟
عند دراسة تعيينات المحافظين والحكام المحليين، نرى أن جزءا كبيرا من المدراء الوسيطين لا يلتزمون بشعارات بزشكيان، وهذه إحدى نقاط ضعف حكومته.
إن تعيين محافظين وحكّام يخالفون نهج الحكومة ورؤية رئيس الجمهورية يُفقد الأمل بإحداث تغيير وتحوّل في إدارة شؤون البلاد، ولهذا نرى، مثلا، في بعض المحافظات، تُرسَل رسائل نصيّة تتعلّق بالحجاب إلى هواتف المواطنين، ما يدفع الناس للتساؤل: ألم نُدلِ بأصواتنا من أجل إنهاء مثل هذه السياسات؟ فلماذا لا تزال هذه الإجراءات تُمارس؟
بعيدا عن هذه المسائل، يبدو أن أداء الجهاز الدبلوماسي في البلاد، حتى الآن، كان جيدا في الملف النووي. كيف تقيّم أداء هذا الجهاز؟
الإجابة على هذا السؤال تتطلّب النظر في أوضاع البلاد، في مجال السياسة الخارجية، خسرنا فرصا أساسية واستراتيجية خلال العشرين عاما الماضية، وهذه الخسائر تقع على عاتق جميع الحكومات، فقد ضاعت فرصة اتفاقية سعدآباد في عهد حكومة الإصلاح، وكذلك فُقدت الفرص المتعلقة بالاتفاق النووي (برجام).
وكان من الممكن أن تساهم هذه الفرص بدرجة كبيرة في منع نشوء التحديات التي نواجهها اليوم، تمّت المصادقة على الاتفاق النووي في عهد حكومة روحاني، وقد شهدنا في العام التالي نموا اقتصاديا وارتفاعا في حجم الاستثمارات، لكن عندما مُنعت الشركات الأمريكية من دخول إيران، رأى ترامب أن الأمور تسير بما لا يخدم مصالحه.
حين رأى الأمريكيون أن الأجواء بعد الاتفاق النووي باتت مهيّأة لدخول الشركات الأوروبية، والصينية، والروسية، فيما لا يُسمح حتى لعدد قليل من السيارات الأمريكية بالدخول إلى السوق الإيراني، كان طبيعيا أن تبدأ الإدارة الأمريكية بوضع العراقيل. اليوم أيضا، يجب متابعة المفاوضات بجدّية من قبل وزارة الخارجية، ويجب الابتعاد عن تدخّل الأشخاص غير المؤثّرين وغير المخوّلين في الشؤون الدولية؛ فعندها فقط تكتسب إنجازات الحكومة قيمتها.
المفاوضات وصلت إلى مرحلة مهمّة، والحديث يدور حول مسألة التخصيب. هل من الممكن أن تفشل المفاوضات؟
ترامب شخصية غير تفاعلية وعاطفية، ومن جهة أخرى، تغلب ميوله الاقتصادية على الجوانب الأخرى من شخصيته، وفي الولايات المتحدة، هناك تيارات معارضة لإيران تنشط بشكل جدّي.
منذ البداية لم يكن ينبغي أن نُضيّع الوقت، بل كان يجب أن نركّز على التفاوض، ربما قبل أن يتمكّن الإسرائيليون والمتشددون من التأثير على ترامب، كانت هناك إمكانية لتعاون أوسع، خاصة وأن ترامب وممثّل الولايات المتحدة في المفاوضات، في بداية المحادثات، قد قبِلا على الأقل بحقوق إيران النووية.
ولكن اليوم، ومع تزايد الضغوط على أمريكا، تبنّت الإدارة موقفا مختلفا، المفاوضات بالتأكيد إيجابية وأفضل من الحرب، كما أن كفاءة الفريق المفاوض في هذا المجال تُعدّ جديرة بالاهتمام.